انركيتا مارتي ريبولس
(Enriqueta Martí i Ripollés )
اسم ربما لم يسمع به الكثيرون لأشهر قاتلة أطفال في التاريخ الحديث
, امرأة كاتلونية تجردت من كل عاطفة و رحمة و تحولت الى مخلوق
بشع يقتات على بقايا الأطفال و أشلائهم , ليس لمرض عقلي او عقدة
نفسية كما هو الحال بالنسبة لبقية المجرمين , لكن من اجل المال ,
فالأطفال هم جزء من مهنتها و شحومهم و دمائهم هي أهم عنصر
صنعتها , فهي ساحرة شريرة تحتفظ بمجموعة من الكتب و
المخطوطات السحرية القديمة و تستعملها لصنع وصفاتها الدموية ,
انركيتا لم تكن أول و لا اخر الساحرات , فهناك الكثيرات منهن ,
بعضهن يعشن في أحيائنا و ربما مررن بنا دون ان نشك بهن للحظة
عجائز طيبات وديعات في النهار و شريرات قاسيات يتجولن في الليل
في المقابر للعبث بجثث الموتى او القيام بأمور لا أخلاقية و شاذة من
اجل إرضاء الجن و الشياطين , الله وحده يعلم كم من الأطفال تم اخ
تطافهم بواسطة هكذا عجائز؟ يخدعوهم بقطعة حلوى ثم لا يسمع
عنهم احد بعد ذلك و لا يعلم ماذا جرى و حل بهم , أطفال مساكين لم
تتخيل عقولهم البريئة هكذا إجرام و قسوة.
في نهاية القرن التاسع عشر , في احد شوارع برشلونة القذرة ,
خطت شابة جميلة اول خطواتها داخل المدينة الكبيرة , لا احد يعلم
على وجه الدقة من أين أتت و لكنها كانت واحدة من القرويات
اللواتي يقدمن الى المدينة كل يوم باحثات عن حياة جديدة و فرصة
عمل تساعدهن في التخلص من فقرهن المدقع و المزمن , لكن هذه
الأماني و الأحلام سرعان ما تتبخر و تضيع في زحام المدينة , و
غالبا ما ينتهي بهن المطاف الى مواخير العهر و بيوت الدعارة ليبعن
أجسادهن بأبخس الأثمان , أحيانا من اجل مبيت ليلة او من اجل
كسرة خبز , هذه القصة تكررت منذ القدم و لازالت تحدث كل يوم في
اغلب المدن الكبرى حول العالم , و انركيتا لم تكن استثناءا من هذه
القاعدة ,
في البداية عملت كخادمة في بيوت احد الأثرياء لكنها تركت
هذه المهنة بعد فترة قصيرة و امتهنت الدعارة فغدت واحدة من عواهر
برشلونة الجميلات , لكنها تميزت عن الأخريات في انها وضعت
لنفسها هدفا , ربما كان لا أخلاقيا و سافلا , لكنه على كل حال كان
حافزا لها للوصول الى غايتها التي تجردت في سبيلها من أي مشاعر
إنسانية , لقد كانت ذكية و فهمت منذ البداية ما هي البضاعة الرائجة
في مهنتها , فبعض الأغنياء مستعدين لدفع مبالغ كبيرة من اجل
تحقيق نزواتهم الشاذة , و هؤلاء المرضى النفسيين , الموجودين في
كل زمان و مكان , يبحثون عن الأطفال لتفريغ نزعاتهم السادية و
رغباتهم الجنسية المنحرفة , و قد بدئت انركيتا بتوفير هؤلاء الأطفال
لهم , لم يكن أحدا يعلم من أين تأتي بهم و لم يكن مصدرهم مهما
بالنسبة للأغنياء الذين اخذوا يدفعون لانركيتا بسخاء لقاء خدماتها ,
في عام 1909 داهمت الشرطة شقة انركيتا لتكتشف داخلها مجموعة
من الأطفال من الجنسين تتراوح أعمارهم بين الخامسة و الخامسة
عشر , لكن رغم إلقاء القبض عليها متلبسة الا ان انركيتا لم تحاكم و
سرعان ما أطلق سراحها بواسطة مال و نفوذ زبائنها الأغنياء.
لا احد يعلم متى بدئت انركيتا بقتل الأطفال و متى بدء اهتمامها
بالسحر و الوصفات السحرية , لكن الأكيد هو ان شغفها الكبير بالمال
هو الذي دفعها الى هذا المسلك , فمنذ زمن بعيد , كان هناك اعتقاد
قديم بان دماء الأطفال و شحومهم لها خواص طبية و سحرية , من
الدم كان السحرة يحضرون إكسير الحب بعد ان يمزجوه بمواد أخر
مذكورة لديهم في وصفات سحرية قديمة , و من الشحم كان يحضر
زيت يدهن به الجلد فيعيد له شبابه و نظارته , و في القرن التاسع
عشر كان هناك الكثير من الناس لازالوا يؤمنون بهذه الخرافات ,
فكانت بعض أغنى و أجمل نساء برشلونة يستعملن هذه المستحضرات
, و رغم ان اغلبهن يعلمن ما هي المواد التي تصنع منها , إلا ان ذلك
لم يكن له أي أهمية , فأطفال الفقراء في نظرهن اقل مرتبة حتى من
الحيوانات.
في النهار كانت انركيتا تتنكر في ملابس رثة و قذرة أشبه بملابس
المتسولين ثم تتوجه الى أكثر أحياء المدينة فقرا و فاقة , كانت تبحث
عن ضحاياها قرب الكنائس و الجمعيات الخيرية حيث يتجمع الأطفال
الفقراء من اجل الحصول على كسرة خبز , و كانت تراقب الأطفال
الذين يلعبون في الشارع بعيدا عن أنظار أهلهم , كان صيدها المفضل
هو الأطفال المشردين و اليتامى الذين لا يسأل عنهم احد و الذين
تتراوح أعمارهم بين ثلاثة و اثنا عشر عاما , عادة تقوم بخداعهم
بقطعة حلوى او وعد بوجبة شهية و أحيانا عنوة إذا كانوا صغار في
الثلاثة او الرابعة من العمر , ثم تحملهم معها الى إحدى شققها
الكثيرة المبثوثة في أنحاء المدينة.
اما في الليل فكانت انركيتا تتحول الى دوقة او ماركيزة , فترتدي افخر
الثياب و المجوهرات و تذهب بواسطة عربة فاخرة الى دار الأوبرا و
المنتديات الاجتماعية الراقية , هناك كانت تتواصل مع زبائنها من
الطبقة العليا , تتعرف الى الأغنياء من وجهاء و أعيان المدينة و
توفر لهم ما تتطلبه نزواتهم الشاذة , تتقرب الى النساء الجميلات
الباحثات عن كسب قلوب الرجال فتقدم لهن اكاسير و تعاويذ سحرية
مصنوعة من دماء و أشلاء الأطفال , اما الراغبات ببشرة ناعمة
فكانت تمدهن بمستحضراتها التجميلية المصنوعة من شحوم الأطفال
, و بالمقابل كان هؤلاء الزبائن الأثرياء يقدمون لانكريتا المال الوفير
و الحماية.
صورة الطفلة تريزيتا بعد ان حررتها الشرطة من قبضة السفاحة و
كذلك صورة لها مع والديها و رجال الشرطة الذين انقذاها.
اخر ضحايا انركيتا كانت طفلة في الخامسة من عمرها اسمها تريزيتا
غيوتر , اختطفتها عام 1912 بينما كانت تلعب أمام منزلها في إحدى
الضواحي الفقيرة ثم نقلتها الى إحدى شققها لتحبسها مع طفلة أخرى
, و فيما بدء والدا تريزيتا يجولان بيأس في أحياء المدينة و مراكز
الشرطة بحثا عن ابنتهم الصغيرة , كانت الطفلة المسكينة قد بدئت
تعي ما ينتظرها من مصير اسود , فقد أخبرتها الطفلة المسجونة معها
عن طفل صغير كان يلعب معها في الشقة لكن في احد الأيام
اصطحبته انركيتا الى المطبخ و مددته على الطاولة الخشبية ثم ذبحته
بالسكين و قطعت جسده و ملئت عدة قناني من دمه ثم قامت بإلقاء
أشلائه في قدر كبير يغلي لاستخلاص الشحم و لتحضير خلطاتها
السحرية , كانت الطفلتان تعلمان بأنهما ستلاقيان المصير ذاته
بالتأكيد لولا تدخل القدر الذي شاء ان يضع نهاية أخرى لحياة هاتين
الطفلتين , فبعد سبعة عشر يوما على اختطاف تريزيتا لاحظت احدى
الجارات , عن طريق الصدفة , طفلة تحدق نحو الشارع بحزن من
خلال الزجاج القذر لنافذة شقة انركيتا , كانت المرأة تعرف أطفال
الحي جميعهم و لم تكن قد رأت هذه الطفلة من قبل , كما انها كانت
تشبه الأوصاف التي عممتها الشرطة عن الطفلة المخطوفة , لذلك
قامت المرأة باستدعاء الشرطة.
في 12 شباط / فبراير عام 1912 فتحت انركيتا باب شقتها لتفاجئ
برجلا شرطة يسألانها عن وجود طفلة غريبة في بيتها , بدت انركيت
مضطربة و مترددة في الإجابة فازدادت شكوك الرجلين بحدوث أمر
مريب مما حدا بهما الى دخول الشقة , خلف الباب شاهدا الفتاتين
المخطوفتين و عندما سألا انركيتا عنهما أجابت بتلعثم بأن إحداهما
ابنتها و الأخرى فتاة وجدتها ضائعة في الشارع فأشفقت عليها و
جلبتها الى شقتها , بدا الجواب غير مقنع كما ان نظرات الخوف التي
علت محيا الطفلتين و كذلك ملابسهن و أجسامهن القذرة جعلت
الشرطيان يرتابان أكثر فقررا تفتيش الشقة , و سرعان ما بدئت
تتكشف في زوايا البيت و أركانه , أشياء مرعبة لم يكونا يتخيلان
رؤيتها في أسوء كوابيسهما , في المطبخ وجدا كيسا فيه ثياب طفل
ممزقة و مغطاة بالدماء و في إحدى الغرف اكتشفوا بقايا بشرية ,
شعر و أجزاء من الجلد , قناني من الدم , أسنان و عظام لطفل ,
الغرف الأخرى كانت تعبق برائحة الموت و الجدران و الأرضية مغطاة
بالدم , بعد رؤية هذه المناظر الرهيبة سارع الشرطيان الى اعتقال
انركيتا و نقلها مع الأطفال الى مركز الشرطة , و سرعان ما بدئت
تتكشف خبايا واحدة من أشهر القضايا الإجرامية في تاريخ برشلونة
و اسبانيا لتنشر موجة من الخوف و الهلع بين السكان , و أخذت
الجرائد تكتب في صفحات كاملة عن انركيتا و جرائمها مطلقين عليها
لقب مصاصة دماء برشلونة " la vampira de Barcelona " و
هو لقب تستحقه بجدارة , و أخذت التقارير و الشائعات حولها تعم
اسبانيا حتى طغت على أخبار القلاقل السياسية و الأمنية التي كانت
تعصف بالبلاد آنذاك.
في مخابئها الكثيرة المنتشرة في أنحاء المدينة عثرت الشرطة على
أشياء مروعة , جثث و بقايا بشرية في كل مكان , ملابس أطفال
مغطاة بالدماء , مخطوطات سحرية قديمة مكتوبة بلغات و رموز غير
مفهومة , قدور كبيرة كانت تستعمل لغلي الأطفال , و ربما كان اهم و
اخطر الأشياء التي تم العثور عليها هو سجل يحتوي على أسماء و
عناوين زبائن انركيتا الأغنياء , كانت بينهم أسماء كبيرة و مشهورة
كان الإفصاح عنها سيؤدي الى فضيحة مدوية في البلد , الا ان هذه
الأسماء لم تنشر أبدا فقد اختفى السجل فجأة و محت آثاره يد خفية
متنفذة , و نفس الشيء حدث مع انركيتا حيث لم تحاكم و لم تنشر
اعترافاتها بشكل كامل و ادعت الشرطة بأنها حاولت الانتحار مرتين
في سجنها ثم وجدت ميتة بعد حوالي السنة على اعتقالها و ادعت
إدارة السجن بأنها قتلت على يد السجينات الأخريات و تم دفنها
بسرعة في قبر حقير في إحدى مقابر برشلونة و دفن معها الى الأبد
سر الأشخاص المتنفذين الذين كانت تتعامل معهم